Tuesday 3 June 2014

نصر بطعم ألف سنة .. حدث سيمسك لجام الزمن بقلم نارام سرجون


نارام سرجون
الأيام والزمن لايمسك لجامهما أهل اللغة والقواميس والمواعظ ولاأهل الأمنيات ولا رواد الفضائيات ولاطواحين الكلام في الفنادق والصحف ولاأمراء المال ولا سلالات الملوك .. وحدهم أهل العزم من تمسك أيديهم لجام الزمن .. ووحدهم من يمسكون بلجام اللغات التي ستقود لسان العالم ولغته .. وعربات أقداره .. ولايعبر عن أهل العزم مثل المتنبي الذي عاصر أهل العزم في حلب وأمير العزم في حلب والذي قال احدى اروع  كلام الحكمة والحماسة في قصيدة الحدث الحمراء: 

على قدر أهل العزم تأتي العزائم             وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها            وتصغر في عين العظيم العظائم

هل الحدث الحمراء تعرف لونها            وتعرف أي الساقيين الغمائم؟؟

سقاها الغمام الغر قبل نزوله             فلما دنا منها سقتها الجماجم  

هذا الكلام تدفق منذ مئات السنين بمناسبة موقعة "الحدث الحمراء" الشهيرة التي دحر فيها سيف الدولة امير حلب البيزنطيين دحرا لايوصف في قلعة الحدث عندما قاتل بخمسمئة جندي جيشا بيزنطيا من خمسين الف فارس وانتصر حتى حار المتنبي ان كانت الأرض قد بللها المطر ام دم الجماجم ..

المتنبي عاصر أهل العزم في حلب .. واليوم نحن من نعاصر العزم وأهله في كل سورية .. ولكن حلب ستقود العزم وستمسك بلجام الزمن وبلجام اللغة .. ليعود صوت العزيمة ليتدفق في عروق الأمة وينبجس مع دمها النازف .. فموعدنا مع نصر لايقل عن نصر الحدث الحمراء الذي صنعه سيف الدولة وسبك المتنبي قصيدة ذهبية تتحدى الزمن وتسافر عبر القرون لتلتقي عزم أهل العزم ..وتشرب من كؤوسهم ..
هذه أول مرة سأهمل فيها كل البيانات والتقارير وقراءات الخبراء .. وأحس أن كل التقارير والأنباء وخبراء علم الاحصاء الذين يدخلون صناديق الاقتراع ويفتشون زواياها بثقة لاتقدر على اثارة انتباهي للاطلاع عليها .. وأحس أن العبث بعينه هو ان أقرأ تأويلات المراقبين وتفسيراتهم عن الانتخابات السورية واندفاعة الناس للتصويت .. لأن مارأيته من عزم السوريين على التحدي لايمكن الاحاطة به بلغة ولابدراسة ولابتسميته ظاهرة غريبة .. ولأن مارأيته لايحتاج الى سيغموند فرويد ومدرسة التحليل النفسي ولا الى علم الاحصاء والرياضيات وعلم الاجتماع .. بل يحتاج الى علم المنطق .. وهو أن الانتخابات لم تعد لاختيار رئيس بل لاسقاط معارضة ..

طبعا عند هذه النقطة سيتركنا الثورجيون ويصفقون لوحة الكومبيوتر بعنف أو يعجنون أوراق هذه المقالة بغضب بين اصابعهم .. وسيسترسل بعضهم في الشتيمة أو الاستهزاء .. ولكن تأكدوا أنهم لايقدرون على قراءة مابعد هذه النقطة لأنهم سيتفجرون بالحقائق .. فهذه النقطة من المقالة تشبه النقاط الحدودية مع العدو .. والعدو هنا هو الحقيقة والواقع لهم .. وليس أنا وليس النظام .. وليس الجيش السوري .. لذلك اطمئنوا الى أنكم بعد هذه  النقطة الحدودية ستسيرون من غيرهم وستحصلون على اقامة دائمة في ارض الحقيقة .. وتحصلون على جنسيتها ..وسيبقى المعارضون في منافي الكلام ..كما هم الآن باقون في منافي وملاجئ العالم ..  

لاأدري الى أي حد ساهمت المعارضة في صنع هذا الكم الهائل من العداء الشعبي داخل حدود سورية ..سأقول وأنا مرتاح بأن حجم كراهية الشعب السوري للمعارضة وصل حدا غير مسبوق لم تحظ به معارضة في الدنيا وفي كل التاريخ .. ووصلت المعارضة الى معادلة صراع يكاد يصح القول معها أن النظام لم يعد طرفا فيها بل بقيت معادلة واحدة هي: المعارضة ضد الشعب .. والشعب ضد المعارضة ..

وصار التحدي علنيا بين المعارضة وبين الشعب السوري كله .. وهذه لم تعد مجرد مناكفات وخلافات في الرأي بل تحولت الى عملية كسر عظم بين معارضة وبين شعب كامل .. العادة هي أن الأنظمة والديكتاتوريات هي التي تخوض منازلات كسر العظم مع الشعب اما أن ينزل الشعب الى منازلة كسر العظم مع المعارضة وتقرر المعارضة ان تخوض معركة التحدي مع شعبها فهذا لعمري مشهد سيكون في التاريخ ظاهرة سيشتغل عليها المؤرخون لأنه مشهد ضد الناموس وضد المنطق وضد حركة التاريخ .. ولاتفسير له الا بأن المعارضة المكروهة بشدة والمنبوذة هي ضد الناموس .. وضد المنطق .. وضد التاريخ ..وستسقط ..

الحماس الشديد الذي يندفع به الشعب السوري نحو الانتخابات الرئاسية لايعنيني منه أن أقرأ فيه انتصارا ساحقا مؤكدا لوجهة نظر الرئيس الأسد وفريقه الوطني والاتجاه الوطني الصرف الذي يمثله المرشحون .. لكنه يعنيني لأنه يعبر عن أبشع هزائم التاريخ لمعارضة في أي بلد منذ نشأ التاريخ المكتوب .. والاندفاعة الجماهيرية التي صارت فوق امكانية الاحاطة بها بالكتابات والتحليل هي في الحقيقة فضيحة من الفضائح التي تستحق كل شخصيات الثورة ومركباتها أن تعدم عليها في الساحات .. لأنها تعني اما أن المعارضة كذبت على السوريين وعلى الناس شرقا وغربا وضللت الدنيا عن مدى شعبية الثورة تجاه نظام مكروه .. فاذا بنا نرى معارضة منبوذة مكروهة محاطة بالاحتقار الشديد ونرى الناس تصوت للنظام نكاية بالمعارضة التي صارت منبوذة .. واما أنها معارضة فشلت فشلا ذريعا في اقناع الشعب السوري بمشروعيتها ومشروعها .. بل يبدو انها منحت عدوها (النظام) كل سبل البقاء ليكون أقوى مما كان عليه بعشرات المرات .. وبلغ الأمر حدا أن صار النظام لايقدر حتى على الحوار مع المعارضة بسبب الضغط الشعبي الهائل الذي يمنعه والذي تسببت به حالة التحدي بين الشعب والمعارضة ..

الغريب أن النظام الذي كان يدافع عن نفسه امام سيل اتهامات المعارضة صار الآن يحاول أن يخفف من اندفاع الناس في تحدي المعارضة .. وصار لايدري كيف السبيل الى وقف هدير الغضب ولجم عنفوان الناس وكبريائهم .. مافعلته المعارضة هو أنها باختصار قدمت نفسها قربانا للنظام دون علمها .. ومنحته ماكان يقال أنه ينقصه منذ خمسين عاما .. أي الشرعية الشعبية الجارفة .. بل قام الشعب في خطوة غير مسبوقة ليتحدى المعارضة لأنها تتحداه .. ويبدو المنظر الآن أنه هو ما كان يجب أن يراه الناس في عام 1963 عندما تم اطلاق مشروع بناء دولة الشعب .. فالترحيب بالدولة والمشروع الوطني تأخر فقط 50 عاما .. الناس الآن ترحب بوافد وصل قبل خمسين عاما لأنه قدم نفسه لأول مرة بطريقة صحيحة وصادقة وذكية ومسؤولة .. واثبت للناس أنه مهما قيل عنه همس بشأن وصوله المفاجئ والانفعالي فان قلبه وطني بلا منازع وبلا شك ..

دعوكم من ثرثرات الثورة وهلوساتها وتشكيكاتها فالحقيقة أن مشاهد الاندفاع للانتخابات منع الانتخابات الرئاسية في الدول الغربية والعربية كان دليلا آخر على كذب المعارضة الشديد التي كان صارت تعرف أنها لم تعد قادرة على أن تواجه الحقيقة وهي أنها معارضة منبوذة مكروهة .. ولو لم تكن كذلك لطلبت من العالم أن يفسح المجال للانتخابات ليرى العالم أعلام الثورة تخفق حول مراكز الاقتراع وان لااحد من الشعب سيقف في طابور الانتخابات .. وبأنها ستترك النظام يواجه الحرج وهو يرى المعارضين يتدفقون الى السفارات وهم يحملون أعلام الثورة ليتحدوا النظام .. أكبر انسحاب تكتيكي قامت به المعارضة هو تركها ساحة الانتخابات ليملأها النظام بجمهور واسع كالموج البشري بأعلام الدولة الوطنية .. 

كانت العواصم تسهر يوميا مع دموع الثوار وتستفيق صباحا على دموع مجلس الأمن وشهقات بان كيمون المقهور على الشعب السوري وحماس أوباما لنصرة جبهة النصرة .. وكان العالم لايستريح قلبه من الخفقان ألما من حكاية السفاح وقاتل الاطفال وقلاع أظافرهم وعيونهم .. وكانت الدنيا تسمع عن سجون مهمتها اغتصاب النساء والرجال والأطفال .. لكن عواصم العالم سترى اليوم أعلام "السفاح" وطوابير الشبيحة بعشرات الآلاف تقطع الطرقات وتتسبب بأزمة مرورية للاعتراف بشرعية الدولة السورية وانتخاباتها .. هذا لايمكن ان يكون ولاء لسفاح ولاشعبا يشرب المخدرات بل شعبا يصنع عصره .. وسيعرف الجمهور في العالم ان أكبر كذبتين في التاريخ هما كذبة اسلحة الدمار الشامل العراقية و.. كذبة السفاح الذي يقتل شعبه في سورية .. وسيدرك العالم ان السفاح المزعوم انما كان يقاتل السفاحين والقتلة ..وأن السفاحين والقتلة والمجرمون هم من يعيش بين ظهرانيهم .. وفي مجلس الأمن .. وفي الجامعة العربية ..وكل من يحمل علم الثورات الدموية ..

منظر الحشود التي تتحدى المعارضة لا السلطة هي اغرب تعبير عن الثورة التي تأكل الثورة .. وهو لن يمر في العلاقات الدولية دون أن يضعف كثيرا من شكيمة مشروع التغيير لأن الرسالة في غاية الوضوح وهي من أخطر الرسائل التي توضع في بريد العالم الذي يمثله صندوق الاقتراع في الانتخابات السورية:

الرسالة تقول ان شيئا ما قد تغير وان الأحداث التي اريد بها تحطيم سورية قد أنتجت ردة فعل مغايرة لم يعد أحد قادرا على التنبؤ بها وبوجهتها .. وان الشعب قد خرج من قمقم الربيع العربي الذي حبس فيه .. هذا التحدي الناهض قد يمثل انطلاقة موجة عارمة من الوطنية والشوفينية في المنطقة بأسرها .. لم يعد من الممكن أن يقال ان الشعب مرغم على الخروج كما بررت الجزيرة وجود ملايين الناس في الساحات ردا على قرارات الجامعة العربية وكما قالت البي بي سي لجمهورها في أحقر تغطية اعلامية بأن دبابات الأسد دفعت الباصات المحملة بالناس الى ساحة الأمويين للتظاهر لرفض الثورة عام 2011 .. ولم يعد الناس في المنطقة  يمكن ان يصدقوا ان سورية ليس فيها الا الثوار .. بل صرنا نسمع أصواتا تسأل عن سبب هذا الطوفان البشري الذي لايعني الا أن الثورة كاذبة .. وفاشلة .. وحكاية الدبابات التي ترغم الناس على التظاهر تقابلها حفلات قصف الهاون التي تريد افراغ الساحات ومنع الاقتراب من صناديق الاقتراع .. 

الشعور العارم بالوطنية ينتقل مثل العدوى بين شعوب المنطقة ويقلب الطاولة على الاسلاميين الذين كانوا يقولون ان جمهورهم يخرج الى المظاهرات ويتحدى الموت .. وهاهو الشعب السوري يخرج بالملايين ويتحدى الثورة والموت والهاون والتهديد .. وهذا الحماس سيلهب مشاعر الكثيرين وسيعيد للمنطقة عصر الجماهير وعصر اليسار وعصر الأفكار التنويرية وعصر قهر الاستعمار .. الغبي من يعتقد أن هذه الانتخابات ستتوقف عند صناديق الاقتراع .. لأن تأثيرها النفسي والمعنوي سينتشر كالنار في الهشيم ..وسيحترق مشروع الاسلام السياسي بشكل خطير بسبب طغيان "عصر الشعب" ..وذوبان العصر الاسلامي الوهابي وفلسفة القاعدة والاخوان المسلمين .. ومشاهد السوريين في بيروت استنفرت بيوت السياسة في العالم ومعاهد التحليل ليس لقراءة المشهد الذي صنع الحشد الشعبي بل لقراءة المشهد الذي سيصنعه هذا الحشد الشعبي الذي سيثير الكثير من المشاعر الوطنية في المنطقة .. ويشعل التوق للمواجهة مع قوى الشر لدى قوى كثيرة اصيبت بالاحباط من الموجة الاسلامية والغزو الاجنبي .. واحدى أبلغ الرسائل التي وصلتني قالت متنبئة: هذا المشهد من طوفان الناس يسبق انتشار الموجات الكبيرة من التغييرات في القيم لدى عصر من العصور .. ولاشك ستنتقل الموجة ولن تتوقف ..   

السؤال الذي يتردد بعد مشهد انتخابات بيروت للرئاسة السورية لم يعد هو كيف نسقط النظام السوري؟؟  بل كيف يمكن أن نعيد هذا الشعب الغاضب الى عصر ماقبل الربيع العربي؟؟
.. وكيف نكبح جماح هذا الشعب الغاضب؟؟ بل ان السؤال هو ان كان هذا الشعب الذي تلمس فائض الوطنية والطاقات يمكن أن يعود دون انجاز عسكري في المنطقة يكرس سورية زعيمة طبيعية للشرق .. كما هي المانيا زعيمة طبيعية لاوروبة .. وهذا الفائض الهائل من الطاقات والمشاعر الوطنية صار من الصعب اعادته دون الجولان ولواء اسكندرون .. ان هذا العصر يشهد ميلاد الشعب الزعيم .. السوري الذي سيصير زعيم الشرق وملهمه الروحي ..  

حلب خاضت معركة الحدث الحمراء مرتين .. مرة عام 343 هجرية ومرة عام 2014 .. ودم حلب بلل ترابها اليوم بعد أن كان سيف الدولة يبلل دم الأناضول بدم البيزنطيين .. ولكن أهل حلب هم من صنع الحدث الحمراء عام 343 هجرية اي منذ أكثر من ألف عام .. وهاهم يعيدون نصر الحدث الحمراء ضد نفس العدو القادم من نفس الشمال بالتحدي والعناد .. بانتظار أن تسقي جماجم الارهابيين قبر الثورة .. ولكن مذاق الحدث الحمراء عام 2014 سيكون بطعم نصر ألف سنة مجتمعة ..     

في 3 حزيران سنذهب للتصويت كما يذهب البحارة ليصارعوا الموج العاتي .. فلايهزم الموج العاتي في الليل الداجي أي من الشعراء ولا اي من الوعاظ والخطباء حيث يتنحى الكلام ويصمت الشعر أمام هدير العاصفة .. بل مايهزمه هم البحارة الذين يروضون بالشراع الريح والموج .. ولايهزم الأعاصير الا البحارة الذين يتلاعبون بقرونها بالشراع كما يتلاعب مصارع الثيران بقرون ثيرانه بقماش أحمر .. قرون الريح تمرّ أمام السواري العالية .. وقرون البحر تناطح قرون البحر ولاتقدر أمواجه على طعن الشراع في قلبه .. والبحارة يصارعون الريح والموج والليل ..ويغنون ..أغاني أهل العزم واهازيج العزيمة ..  

كلنا بحارة في هذا العصر .. وملايين البحّارة ستصنع الشراع معا وسترفعه لتبدأ معركة كسر قرون العاصفة وقرون البحر .. ماأجمل أن نكسر قرون العواصف وقرون البحر .. وماألذ صوت تكسرها .. ومااشهى مذاق التحدي .. فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ..وتأتي على قدر الكرام المكارم ..

الثالث من حزيران هو يوم أهل العزم .. وأهل الحسم .. وعلى قدرنا تأتي العزائم .. فنحن من سيمسك لجام الزمن منذ الغد .. لأننا نمسك بلجام الشرق .. فلينتظر من يريد أن يرى كيف سيسير الزمان بعد اليوم ..ولجام الزمان تمسكه يد تمتد بين دمشق وحلب ..

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: